فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}.
لما بين الله تعالى أن من يؤذي الله ورسوله يلعن ويعذب وكان ذلك إشارة إلى إيذاء هو كفر، أرشد المؤمنين إلى الامتناع من إيذاء هو دونه وهو لا يورث كفرًا، وذلك مثل من لم يرض بقسمة النبي عليه السلام وبحكمه بالفيء لبعض وغير ذلك فقال: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين ءاذَوْاْ موسى} وحديث إيذاء موسى مختلف فيه، قال بعضهم هو إيذاؤهم إياه بنسبته إلى عيب في بدنه، وقال بعضهم: أن قارون قرر مع امرأة فاحشة حتى تقول عند بني إسرائيل إن موسى زنى بي فلما جمع قارون القوم والمرأة حاضرة ألقى الله في قلبها أنها صدقت ولم تقل ما لقنت وبالجملة الإيذاء المذكور في القرآن كاف وهو أنهم قالوا له: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] وقولهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} [البقرة: 55] وقولهم: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} [البقرة: 61] إلى غير ذلك فقال للمؤمنين لا تكونوا أمثالهم إذا طلبكم الرسول إلى القتال أي لا تقولوا: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} ولا تسألوا ما لم يؤذن لكم فيه: وإذا أمركم الرسول بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله: {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} على الأول ظاهر لأنه أبرز جسمه لقومه فرأوه وعلموا فساد اعتقادهم ونطقت المرأة بالحق وأمر الملائكة حتى عبروا بهرون عليهم فرأوه غير مجروح فعلموا براءة موسى عليه السلام عن قتله الذي رموه به، وعلى ما ذكرنا {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} أي أخرجه عن عهدة ما طلبوا بإعطائه البعض إياهم وإظهاره عدم جواز البعض وبالجملة قطع الله حجتهم ثم ضرب عليهم الذلة والمسكنة وغضب عليهم، وقوله: {وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهًا} أي ذا وجاهة ومعرفة، والوجيه هو الرجل الذي يكون له وجه أي يكون معروفًا بالخير، وكل أحد وإن كان عند الله معروفًا لكن المعرفة المجردة لا تكفي في الوجاهة، فإن من عرف غيره لكونه خادمًا له وأجيرًا عنده لا يقال هو وجيه عند فلان، وإنما الوجيه من يكون له خصال حميدة تجعل من شأنه أن يعرف ولا ينكر وكان كذلك.
ثم قال تعالى: {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
أرشدهم إلى ما ينبغي أن يصدر منهم من الأفعال والأقوال، أما الأفعال فالخير، وأما الأقوال فالحق لأن من أتى بالخير وترك الشر فقد اتقى الله ومن قال الصدق قال قولًا سديدًا، ثم وعدهم على الأمرين بأمرين: على الخيرات بإصلاح الأعمال فإن بتقوى الله يصلح العمل والعمل الصالح يرفع ويبقى فيبقى فاعله خالدًا في الجنة، وعلى القول السديد بمغفرة الذنوب.
ثم قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} فطاعة الله هي طاعة الرسول، ولكن جمع بينهما لبيان شرف فعل المطيع فإنه يفعله الواحد اتخذ عند الله عهدًا وعند الرسول يدًا وقوله: {فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} جعله عظيمًا من وجهين أحدهما: أنه من عذاب عظيم والنجاة من العذاب تعظم بعظم العذاب، حتى أن من أراد أن يضرب غيره سوطًا ثم نجا منه لا يقال فاز فوزًا عظيمًا، لأن العذاب الذي نجا منه لو وقع ما كان يتفاوت الأمر تفاوتًا كثيرًا والثاني: أنه وصل إلى ثواب كثير وهو الثواب الدائم الأبدي. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا سَتِيرًا حَيِيًّا مَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا، وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَهَا عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ.
فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ، فَطَلَبَ الْحَجَرَ؛ فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي، حَجَرٌ؛ ثَوْبِي، حَجَرٌ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا، وَأَبْرَأَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ.
قَالَ: وَقَامَ إلَى الْحَجَرِ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ مُوسَى بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاَللَّهِ إنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ عَصَاهُ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}. فَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي بَدَنِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَنْثُورِ: أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ صَعِدَا الْجَبَلَ فَمَاتَ هَارُونُ، فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: أَنْتَ قَتَلْته، وَكَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْك، وَأَشَدَّ حُبًّا؛ فَآذَوْهُ فِي ذَلِكَ، فَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلْته، فَمَرُّوا بِهِ عَلَى مَجَالِسِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَتَكَلَّمَتْ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ، فَمَا عَرَفَ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إلَّا الرَّخَمُ، وَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ، وَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي الْعِرْضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذَا النَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي إذَايَةِ نَبِيِّهِمْ مُوسَى: وَفِيهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ بِقَوْلِهِ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَوَقَعَ النَّهْيُ، تَكْلِيفًا لِلْخَلْقِ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُعْجِزَةِ، وَتَصْدِيقًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْفِيذًا لِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَرَدًّا عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {يَا أَيُّها الَّذِينَ ءَامُنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ أَذَواْ مُوسَى}.
معناه لا تؤذوا محمدًا فتكونوا كالذين آذواْ موسى.
وفيما آذوا به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قولان:
أحدهما: قولهم زيد بن محمد، حكاه النقاش.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم قسمًا فقال رجل من الأنصار إن هذه القسمة ما أُريد بها وجه الله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبِرَ» قاله أبو وائل.
وفيما أوذي به موسى عليه السلام ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن رَمَوهُ بالسحر والجنون.
الثاني: ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سَتِيرًا لاَ يَكَادُ يُرَى مِن جَسَدِهِ شَيءٌ يَسْتَحَيا مِنُه فآذَاهُ مَن آذَاهُ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالُواْ مَا يَسْتَتِرُ إلاَّ مِن عَيبٍ بِجِلْدِهِ أَوْ جِسْمِهِ، إمَّا مِن بَرَصٍ وَإمَّا آدَرٌ أَوْ بِهِ آفَةٌ وَإنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبْرِئَهُ مِمَّا قَالُواْ وَإنَّ مُوسَى خَلاَ يَومًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثَوبِهِ لِيَأْخُذَهُ وَإنَّ الْحَجَرَ عَدَا بثيَابِهِ فَطَلَبَهُ مُوسَى فَانتَهَى إلَى مَلإٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ فَرأَوهُ عُرْيَانًا كَأَحْسَنِ الرِّجالِ خَلْقًا {فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُواْ}».
الثالث: ما رواه ابن عباس عن علي رضي الله عنه أن موسى صعد وهارون الجبل فمات هارون فقال بنو إسرائيل أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حبًا فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمروا به على مجلس بني إسرائيل فتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته فما عرف موضع قبره إلا الرخم وأن الله جعله أصم أبكم ومات هارون قبل موسى في التيه ومات موسى قبل انقضاء مدة التيه بشهرين.
{وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المقبول، قاله ابن زيد.
الوجه الثاني: لأنه مستجاب الدعوة قاله الحسن.
الثالث: لأنه ما سأل الله شيئًا إلا أعطاه إلى النظر، قاله ابن سنان. قاله قطرب: والوجيه مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد.
قوله: {وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا}.
فيه ستة تأويلات:
أحدها: عدلًا، قاله السدي.
الثاني: صدقًا، قاله قتادة.
الثالث: صوابًا، قاله ابن عيسى.
الرابع: هو قول لا إله إلا الله، قاله عكرمة.
الخامس: هو الذي يوافق ظاهره باطنه.
السادس: أنه ما أريد به وجه الله دون غيره.
ويحتمل سابعًا: أن يكون الإصلاح بين المتشاجرين وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض.
{يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: يصلحها بالقبول.
الثاني: بالتوفيق. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}.
{الذين آذوا موسى} هم قوم من بني إسرائيل، واختلف الناس في الإذاية التي كانت وبرأه الله منها، فقالت فرقة هي قصة قارون، وإدخاله المرأة البغي في أن تدعي على موسى ثم تبرئتها له وإشهارها بداخلة قارون، وقد تقدمت القصة في ذكر قارون، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي أن موسى وهارون خرجا من فحص التيه إلى جبل مات هارون فيه، فجاء موسى وحده، فقال قوم هو قتله، فبعث الله تعالى ملائكة حملوا هارون حتى طافوا به في أسباط بني إسرائيل ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى ولم يكن فيه أثر، وروي أنه حيي فأخبرهم بأمره وببراءة موسى، وقال ابن عباس وأبو هريرة وجماعة هي ما تضمنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيرًا ويخفي بدنه فقال قوم هود آدر أو أبرص أو به آفة فاغتسل موسى يومًا وجعل ثيابه على حجر ففر الحجر بثيابه واتبعه موسى يقول ثوبي حجر ثوبي حجر، فمر في أتباعه على ملأ من بني إسرائيل، فرواه سليمان مما ظن به، الحديث بطوله خرجه البخاري {فبرأه الله مما قالوا} والوجيه المكرم الوجه، وقرأ الجمهور {وكان عند الله} وقرأ ابن مسعود {وكان عبد الله} ثم وصى عز وجل المؤمنين بالقول السداد، وذلك يعم جميع الخيرات، وقال عكرمة: أراد لا إله إلاَّ الله، والسداد يعم جميع هذا وإن كان ظاهر الآية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلافًا للأذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة المؤمنين، ثم وعد تعالى بأنه يجازي على القول السديد بإصلاح الأعمال وغفران الذنوب، وباقي الآية بين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لا تكونوا كالذين آذَوا موسى} أي: لا تؤذوا محمدًا كما آذى بنو إِسرائيل موسى فينزل بكم ما نزل بهم.
وفي ما آذَوا به موسى أربعة أقوال:
أحدها: أنهم قالوا: هو آدَر، فذهب يومًا يغتسل، ووضع ثوبه على حجرٍ، ففرَّ الحجر بثوبه، فخرج في طلبه، فرأَوه فقالوا: واللّهِ ما به من بأس.
والحديث مشهور في الصحاح كلِّها من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد ذكرتُه باسناده في المغني والحدائق.
قال ابن قتيبة: والآدَر عظيم الخُصيتين.
والثاني: أن موسى صَعِد الجبل ومعه هارون، فمات هارون، فقال بنو إِسرائيل: أنت قتلتَه، فآذَوه بذلك، فأمر اللّهُ تعالى الملائكةَ فحملته حتى مرَّت به على بني إِسرائيل، وتكلَّمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إِسرائيل أنه مات، فبرَّأه الله من ذلك، قاله عليّ عليه السلام.
والثالث: أن قارون استأجر بغيًّا لتقذِف موسى بنفسها على ملأٍ من بني إِسرائيل فعصمها الله وبرّأ موسى من ذلك، قاله أبو العالية.
والرابع: أنهم رمَوه بالسِّحر والجنون، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {وكان عِنْدَ الله وجيهًا} قال ابن عباس: كان عند الله حَظيًّا لا يسألُه شيئًا إِلاَّ أعطاه.
وقد بيَّنَّا معنى الوجيه في [آل عمران: 45].
وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وأبو حيوة: {وكان عَبْدًا لِلّهِ} بالتنوين والباء، وكسر اللام.
قوله تعالى: {وقولوا قولًا سديدًا} فيه أربعة أقوال:
أحدها: صوابًا، قاله ابن عباس.
والثاني: صادقًا، قاله الحسن.
والثالث: عدلًا، قاله السدي.
والرابع: قصدًا، قاله ابن قتيبة.
ثم في المراد بهذا القول ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا إِله إِلا الله، قاله ابن عباس، وعكرمة.
والثاني: أنه العدل في جميع الأقوال والأعمال، قاله قتادة.
والثالث: في شأن زينب وزيد، ولا تنسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى ما لا يصلُح، قاله مقاتل بن حيّان.
قوله تعالى: {يُصْلِح لكم أعمالكم} فيه قولان:
أحدهما: يتقبَّل حسناتكم، قاله ابن عباس.
والثاني: يزكِّي أعمالكم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فقد فاز فوزًا عظيمًا} أي: نال الخير وظَفِر به. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}.
لما ذكر الله تعالى المنافقين والكفار الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حذر المؤمنين من التعرّض للإيذاء، ونهاهم عن التشبّه ببني إسرائيل في أذِيَّتهم نبيّهم موسى.
واختلف الناس فيما أوذي به محمد صلى الله عليه وسلم وموسى، فحكى النقاش أن أذِيّتهم محمدًا عليه السلام قولهم: زيد بن محمد.
وقال أبو وائل: أذِيته أنه صلى الله عليه وسلم قَسم قَسْمًا فقال رجل من الأنصار: إن هذه القِسمة ما أريد بها وجه الله، فذكر ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: «رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» وأما أذِيّة موسى صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس وجماعة: هي ما تضمّنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قال: «كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستّر كثيرًا ويخفي بدنه فقال قوم هو آدر وأبرص أو به آفة، فانطلق ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشام وجعل ثيابه على صخرة ففرّ الحجر بثيابه واتبعه موسى عريانًا يقول ثَوْبِي حَجَرُ ثوبي حَجَرُ حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فنظروا إليه وهو من أحسنهم خَلْقًا وأعدلهم صورة وليس به الذي قالوا فهو قوله تبارك وتعالى: {فبرأهُ الله مِمَّا قَالُواْ}» أخرجه البخاريّ ومسلم بمعناه.